الخضر وموسي _ عليهما السلام
* * تسمية الخضر
قال رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ :
( إنَّما سُمِّيَ الخَضِرَ أنَّهُ جَلَسَ علَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ، فَإِذَا هي تَهْتَزُّ مِن خَلْفِهِ خَضْرَاءَ) .
يُبيِّنُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَببَ تَسميةِ الخَضِرِ عليه السَّلامُ بهذا الاسمِ؛ وهو أنَّه كان قدْ جَلَس على فَروةٍ بَيضاءَ -وهي الأرضُ اليابسةُ- فإذا هي تَهتَزُّ مِن خَلْفِه خَضْراءَ، أي: أنبتَتْ وخرَجَ منها الزَّرعُ بمُجرَّدِ جُلوسِه عليها، وقيل: أراد بالفَروةِ البَيضاءِ الهَشيمَ مِن نَباتِ الأرضِ، اخضَرَّ بعْدَ يُبسِه وبَياضِه. وهذه مُعجِزةٌ مِن مُعجِزاتِه عليه السَّلامُ الَّتي أجْراها اللهُ على يَدَيهِ.
* * قصة موسي مع الخضر
بيْنَما نبي الله مُوسَى - عليه السلام - في مَلَإٍ مِن بَنِي إسْرَائِيلَ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقالَ له: هلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟
قالَ مُوسَى : لَا
فأوْحَى اللَّهُ إلى مُوسَى بَلْ عَبْدُنَا الخَضِرُ ، بمجمع البحرين هو أعلمُ منك.
فَسَأَلَ مُوسَى :
السَّبِيلَ إلى لُقِيِّهِ ؟
فأمره اللَّهُ أن يأخذ معه حوتا ، فتجعله في
مكتل ، وَقِيلَ له: إذَا افْتَقَدْتَ الحُوتَ فَارْجِعْ فإنَّكَ سَتَلْقَاهُ،
فَسَارَ مُوسَى ما شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ، حتّى إذا أتيَا الصّخرةَ ، فوضع نّبي الله موسى رأسه فنام ، ثُمَّ انسل الحوت من
المكتل وسقط في الماء ، فإتّخذ سبيله في البحر سَرَبًا ، فأمْسَك الله عنه جرية الماء حتّى
كأنَّ أثرَه في حجر.
فقال فتاه يوشع:
لا أُوقِظه حتى يستيقظَ .
فلمَّا إستيقظ
نسِي فتاه ( يوشع بن نون ) أن يُخبرَه بأمر الحوت ، قالَ لِفَتَاهُ :
﴿ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ﴾ ,فَقالَ فَتَى مُوسَى، حِينَ سَأَلَهُ الغَدَاءَ: (أَرَأَيْتَ إذْ أَوَيْنَا إلى الصَّخْرَةِ فإنِّي
نَسِيتُ الحُوتَ وَما أَنْسَانِيهِ إلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ) ، فَقالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: (ذلكَ ما كُنَّا نَبْغِي
فَارْتَدَّا علَى آثَارِهِما قَصَصًا) .
لقاء موسي والخضر
فرجعَا يقصَّانِ أثرهما حتّى إنتهيَا إلى الصّخرة، فإذا رجل مسجًّى
بثوب، فسلَّم عليه نّبي الله موسى
فقال العبد الصّالح المُسمّى بالخضر: و أنَّى بأرض قومِك السّلام؟
قال: أنا موسى.
قال: موسى بني إسرائيل؟
قال: نعَمْ، أتيتُك لتعلّمني ممّا عُلمتَ رُشدًا.
قال العبد الصّالح: ﴿ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ﴾.
يا موسى إنِّي على عِلم مِن علم الله عَلَّمنيه لا تعلمه أنت، و
أنت على عِلم مِن عِلم الله علَّمكَه الله لا أعلمه.
فقال النّبي موسى : ﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا
وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾.
قال له الخضر : ﴿ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ﴾.ورجع يوشع إلي قومه
بداية الرحلة
خرق السفينة
فإنطلقَا يمشيان على ساحلِ البحر، فمرَّت سفينة، فكلَّموهم أن يحملوهم فعرَفوا الخضر، فحملوهم بغير نَوْل، فلمَّا رَكِبا
في السّفينة لم يفجأْ
إلاّ و الخضر قد قلَع لوحًا من ألواح السّفينة بالقُدوم.
فقال له نّبي الله موسى : قد حملونا بغير نول، عمدتَ إلى سفينتهم
فخرقْتَها؛ لتغرقَ أهلها؟ لقد جئتَ شيئًا إمرًا.
﴿ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا
نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ﴾.
و جاءَ عُصفور فوقَع على حرْف السّفينة، فنقَر في البحر نقرةً،
فقال له الخضر: ما عِلمي و علمك.
في عِلم الله إلاّ مِثل ما نقَصَ هذا العُصفورُ من هذا البحْر .
قتل الخضر للغلام
ثم خرجَا من السّفينة،
فبينما هما يَمشيانِ على السّاحل إذ أبْصَر الخضر غلامًا يلعب مع الغِلمان، فأخذ
الخضرُ رأسه بيده، فإقتلعه بيده فقتَله.
فقال له النّبي موسى : ﴿ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ
نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا
فأجابه الخضر: قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ
مَعِيَ صَبْرًا ﴾.
فقال نبي الله موسي : ﴿ . . إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا
فَلَا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ﴾.
اقامة الجدار
﴿ فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ﴾ , أي مائل، فسوّاه الخضرُ بيده
﴿ فَأَقَامَهُ ﴾.
فقال النّبي موسى : قوم أتيناهم فلم يطعمونا و لم يُضيِّفونا ﴿ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ﴾
فرد عليه الخضر :
قَالَ هَٰذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (78) أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا (79) وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا (80) فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا (81) وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَٰلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا (82)
أمّا السّفينة
فكانت لمساكين يعملون في
البحر, و هم شركاء فيها, و هم شركاء كذلك فيما تحمل من تجارة قليلة ضئيلة,
يبادلونها بتجارة ثانية, و يتقاضون بها سلعًا أخرى فيما يمرّون به من البلاد, و
يرسون عليه من المدن...
أردت أن أعيبها, فإنّ المدينة التي رست عليها بها ملك ظالم جبّار
يرسل أتباعه يفحصون السّفن التي ترسو بمدينته, و يختبرونها, فالسّفن التي على حالة
جيّدة يأخذها من أصحابها غصبًا, و يسلبها قوّة و إقتدارًا, أمّا السّفن المعطوبة
التي بها عيب, أو التي أصابها تلف فإنّه لا يأخذها
أمّا الغلام
فكان أبواه مؤمنين, و كان
هو كافرا طاغيا ضالاً, (فخشينا أن يرهقهما طغيانا و كفرا)... يؤذيهما إذا عصياه
ببذاءته و فساده, و يؤذيهما إذا إتّبعاه بكفره و ضلاله
أمّا الجدار
فكان لغلامين يتيمين في المدينة, و كان تحته كنز لهما, خبّأه لهما أبوهما قبل أن يموت, و كان أبوهما صالحا مؤمنا تقيّا, فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما و يستخرجا كنزهما رحمة من ربّك .
تعليقات
إرسال تعليق